أعمار هذه الأمة
ما بين الستين إلى السبعين سنة
ولا يجاوز ذلك إلا القليل
أخرج الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أعمار أُمَّتِي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلُّهم مَن يجاوز ذلك))؛ (صحيح الجامع: 1073).
وروى الحكيم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((معترك المنايا[1] ما بين الستين إلى السبعين))؛ (صحيح الجامع: 5881).
وروى الحكيم أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أقل أُمَّتِي أبناء السبعين))؛ (صحيح الجامع: 1182).
وأخرج الطبراني في "الكبير" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أقل أُمَّتِي الذين يبلغون السبعين))؛ (صحيح الجامع: 1183).
إذا بلغ الإنسان مِنَّا ستين سنة فقد أعذر الله إليه:
ذكر البخاري بابًا بعنوان "مَن بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر".
قال - تعالى -: ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37]؛ يعني: الشَّيب، ثم ذكر بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أعذر اللهُ إلى امرئ أَخَّر أجلَه حتى بلَّغه ستين سنة)).
قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - في "فتح الباري" (11/243):
"باب مَن بلغ ستين سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر": "قد اختلف أهل التفسير في ﴿ النَّذِيرُ ﴾، فالأكثر على أن المراد به: الشَّيب، واختلفوا أيضًا في المراد بـ: "التعمير" في الآية على أقوال، وأصح الأقوال في ذلك ما ثبت في حديث الباب...، والإعذار: إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبقَ له اعتذار، يُقال: أعذر إليه - إذا بلَّغه أقصى الغاية في العذر، ومكَّنه منه، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكُّنه منها بالعمر الذي حصل له، فلا ينبغي له حينئذٍ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية"؛ اهـ.
• نعوذ بالله أن نُعيَّر بطول العمر.
• فقد أخرج الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بَلَغَ الرجلُ من أُمَّتِي ستين سنةً، فقد أعذرَ اللهُ إليه في العُمُرِ))؛ (صحيح الجامع: 414).
• وأخرج عَبْدُ بن حميد عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بَلَّغَ اللهُ العبدَ ستين سنةً، فقد أعذرَ إليه، وأبلغ[2] إليه في العُمُرِ))؛ (صحيح الجامع: 415).
• وأخرج الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد أعذر الله إلى عبدٍ أحياه حتى بلغ ستين سنة أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه))؛ (صحيح الجامع: 5118).
• أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أتتْ عليه ستُّون سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر))؛ (صحيح الجامع: 5945).
• وأخرج الحاكم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن عُمِّر من أُمَّتِي سبعين سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر))؛ (صحيح الجامع: 6397).
• وأخرج ابن حبان وأحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن عمَّره الله ستين سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر)).
• وجاء في كتاب "صفة الصفوة" (2/156)، و"الزهد الكبير" للبيهقي (ص 265) عن وهب بن منبه قال: "قرأتُ في التوارة أن لله مناديًا يُنادِي كل ليلة: أبناء الأربعين، زرع قد دنا حصاده، أبناء الخمسين، هلمُّوا إلى الحساب، ماذا قدَّمتم وماذا أخَّرتم؟ أبناء الستين، لا عذرتم، أبناء السبعين، عدُّوا أنفسكم في الموتى".
أخي، ما مضى من العمر وإن طالت أوقاته، فقد ذهبت لذَّاته، وبقيت تبعاته، وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته؛ قال الله - عز وجل -: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء: 205 - 207]، تلا بعض السلف هذه الآيات وبكى، وقال: "إذا جاء الموت لم يُغْنِ عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم".
• يا أبناء العشرين، كم مات من أقرانكم وتخلَّفتم؟
• ويا أبناء الثلاثين، أصبتم بالشباب على قُربٍ من العهد فما تأسفتم.
• يا أبناء الأربعين، ذهب الصِّبا وأنتم على اللهو قد عكفتم.
• يا أبناء الخمسين، أنتم زرع قد دنا حصاده، تنصفتم المائة وما أنصفتم.
• يا أبناء الستين، هلمُّوا إلى الحساب، أنتم على معتركِ المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون؟ لقد أسرفتم!
• أبناء السبعين، ماذا قدَّمتم وما أخَّرتم؟
• أبناء الثمانين، لا عُذْرَ لكم.
• قال مسروق: إذا أتتك الأربعون فخذ حذرك.
• وقال النخعي: كان يقال لصاحب الأربعين: احتفظ بنفسك.
وكان كثير من السلف إذا بلغ الأربعين، تفرَّغ للعبادة.
• وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -: "تمت حجة الله على ابن الأربعين، فمات لها".
ورأى في منامه قائلاً يقول له:
إذا ما أتتكَ الأربعونَ فعندها
فاخشَ الإله وكنْ للموت حذَّارًا
• ورحم الله مَن قال:
وَإذَا تكاملَ للفتى من عمرِهِ
خمسونَ وهو إلى التُّقَى لا يجنحُ
عَكَفتْ عليه المُخزِياتُ فَمَا له
مُتَأخر عنها وَلا مُتَزحزحُ
وَإِذَا رَأَى الشيطانُ غُرَّة وجهِه
حيَّا وقال: فدَيْتُ مَن لا يُفلِحُ
قال الفضيل - رحمه الله - لرجل: "كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يُوشِك أن تصل"؛ (لطائف المعارف: ص 329).
خير الناس مَن طال عمره وحسن عمله:
• فقد أخرج الإمام أحمد والدارمي عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: "يا رسول الله، أي الناس خير؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من طال عُمُره، وحسن عمله))، قالوا: يا رسول الله، وأي الناس شر؟ قال: ((من طال عُمُره وساء عمله)).
• وأخرج الإمام أحمد من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن من السعادة أن يطول عمر العبد، ويرزقه الله الإنابة)).
• وأخرج الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أنبِّئكم بخيركم؟))، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ((خياركم أطولكم أعمارًا، وأحسنُكم أعمالاً)).
• وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالله بن شدَّاد قال: "جاء ثلاثة رهط من بني عذرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلموا، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن يكفيني هؤلاء؟))، قال: فقال طلحة: أنا، قال: فكانوا عندي، قال: فضُرِب على الناس بعث، قال: فخرج أحدهم فاستُشهِد، ثم ضُرِب بعث، فخرج الثاني فيه فاستُشهِد، قال: وبقي الثالث حتى مات مرضًا على فراشه، قال طلحة: فرأيت في النوم كأني أُدخِلتُ الجنَّة فرأيتهم، أعرفهم بأسمائهم وسيماهم، قال: فإذا الذي مات على فراشه دخل أولهم، وإذا الثاني من المستشهدين على أثره، وإذا أوَّلهم آخرهم، قال: فدخلني من ذلك، قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -: فذكرت ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس أحدٌ عند الله أفضلَ من مُعَمَّرٍ يُعَمَّرُ في الإسلام؛ لتهليله وتكبيره وتسبيحه وتحميده)).
وقد مرَّ بنا الحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن طلحة بن عبيدالله: "أن رجلين من بَلِيٍّ قَدِما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إسلامُهما جميعًا، فكان أحدُهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشْهِد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوُفِّي، قال طلحة: فرأيت في المنام: بينا أنا عند باب الجنَّة، إذا أنا بهما، فخرج خارجٌ من الجنَّة، فأَذِن للذي تُوُفِّي الآخِرَ منهما، ثم خرج، فأَذِن للذي استشهد، ثم رجع إليَّ فقال: ارجع، فإنك لم يأنِ لك بعدُ، فأصبح طلحة يُحدِّث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدَّثوه الحديث، فقال: ((من أَيِّ ذلك تَعْجَبُون؟))، فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشدَّ الرجلين اجتهادًا، ثم استُشْهِد، ودخل هذا الآخر الجنَّة قبله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أليس قد مَكَثَ هذا بعده سنة؟))، قالوا: بلى، قال: ((وأدْرَكَ رمضان، فصام وصلَّى كذا وكذا من سجدة في السنة؟))، قالوا: بلى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فما بينهما أبعد ممَّا بين السماء والأرض))؛ (الصحيحة: 2591).
وأخيرًا أحبتي في الله، اعلموا أن الموت سيموت يوم القيامة:
أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح[3]، فينادي منادٍ: يا أهل الجنَّة، فيَشْرَئبُّون[4]، وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه[5]، ثم ينادي: يا أهل النار، فيَشْرَئبُّون، وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه - فيُذْبَح، ثم يقول: يا أهل الجنَّة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت، ثم قرأ قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]".
وبعد:
فهذا آخر ما تيسَّر جمعه في هذه الرسالة.
نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبَّلها منَّا بقَبُول حسن، كما أسأله - سبحانه وتعالى - أن ينفعَ بها مؤلِّفها وقارئها، ومَن أعان على إخراجها ونشرها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحدَه، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان، فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يَعْتَرِيه الخطأ والصواب، فإن كان صوابًا فادعُ لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي.
وَإِنْ وجدتَ عيبًا فسُدَّ الخَلَلا
فَجَلَّ مَن لا عيبَ فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحًا، ولوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه نصيبًا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، هذا والله - تعالى - أعلى وأعلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
_______________________________
[1] معترك المنايا: ما بين الستين إلى السبعين؛ أي: غالبًا ما تصرع المنايا الإنسان في هذا السن.
[2] أبلغ؛ أي: أطاله حتى قطع عذره.
[3] أملح؛ أي: فيه بياض وسواد.
[4] يشرئبون؛ أي: يمدون أعناقهم، ويرفعون رؤوسهم.
[5] وكلهم قد رآه؛ أي: يعرفون أنه الموت، بما يلقيه الله في قلوبهم أنه الموت.